هل ساهم معسكر الشيشان في خروج المنتخب؟

0

الصورة الهزيلة التى ظهر عليها منتخبنا القومى خلال منافسات كأس العالم الحالية، والتى أسفرت حتى الآن عن هزيمتين للفريق أطاحتا بأى أمل له فى الصعود للأدوار المقبلة، تستحق منا البحث عن الأسباب الحقيقية وراء هذا الشكل غير المقبول من الملايين من عشاق الكرة المصرية. والحقيقة أن النصيب الأكبر من هذه الصورة لا يعود إلى الجهاز الفنى ومستوى اللاعبين بقدر ما يعود إلى حالة الفوضى الإدارية التى صاحبت الفريق فى جميع مراحل استعداده للبطولة وخلال المنافسات، ويكفى أن نذكر فى عجالة أزمة الطائرة مع محمد صلاح، وأزمة ملابس الفريق، والصراعات بين أعضاء الاتحاد على مرافقة الفريق فى معسكرات الإعداد، وحتى اختيار الفرق التى واجهها المنتخب فى مرحلة الإعداد.

لكن أحد ملامح التخبط الإدارى المؤثرة، والذى لم يتحدث عنه الكثيرون لقلة المعلومات المرتبطة به، كان اختيار الاتحاد مقر المعسكر الدائم للمنتخب فى روسيا فى مدينة جروزنى عاصمة الشيشان، وهو الموقع الذى أثار استغراب الكثير من وسائل الإعلام الأجنبية لعدة أسباب، أهمها أن الفريق المصرى قطع أكبر مسافات بين جميع فرق البطولة الـ32 لخوض مبارياته الثلاث بما يمثل ذلك من إرهاق جسدى ونفسى على الفريق.

- الإعلانات -

- الإعلانات -

فى منتصف ديسمبر الماضى، أعلن إيهاب لهيطة، مدير المنتخب، أن الاتحاد المصرى لكرة القدم وقع اختياره على مدينة جروزنى عاصمة الشيشان لتكون مقراً لإقامة الفريق الوطنى خلال مشاركته فى بطولة كأس العالم، وأكد لهيطة فى مؤتمر صحفى أن هناك مجموعة أسباب لهذا الاختيار، أولها «القرب الجغرافى» لأن هذا المكان هو أقرب الخيارات المتاحة مع المدن التى ستقام فيها مباريات المجموعة، وبطبيعة الحال نحن نعلم الآن بالأرقام والخرائط أن الفريق المصرى قطع أكبر مسافات على الإطلاق بين جميع فرق البطولة لأداء مبارياته انطلاقا من هذا الاختيار غير الموفق لاتحاد الكرة، أما باقى أسباب الاختيار كما أوردها مدير المنتخب فهى «القرب النفسى» مع جروزنى ذات الأغلبية المسلمة! بالإضافة للطقس والبنية التحتية الجيدة. واللافت للنظر أن لهيطة فى تصريحاته الصحفية عن أسباب اختيار جروزنى طالب الإعلام «بتحرى الدقة» فيما يتعلق بالمسافات وجروزنى، وهو ما قامت به بالفعل العديد من وسائل الإعلام الأجنبية التى نعرضها خلال السطور المقبلة.

تصريحات أعضاء الاتحاد المسؤولين عن هذا الاختيار، وضعت اسم «الفيفا» فى الكثير من التصريحات للدرجة التى اعتقد الكثيرون أن الاتحاد الدولى لكرة القدم هو من يحدد أماكن الإقامة، إلا أن الحقيقة عكس ذلك، حيث إن «الفيفا» يعلن فقط قائمة المدن المستعدة لاستضافة الفرق أثناء البطولة، أما الاختيار نفسه فيعود لمسؤولى المنتخبات، وهو الأمر الذى أكده «كرم كردى»، عضو اتحاد الكرة، فى تصريحات لوكالة سبوتنيك الروسية.

قال كردى إن تحديد جروزنى كمقر للمنتخب سبقه العديد من الزيارات للمدن الروسية من خبراء المنتخب، لكن الأمر الحاسم كان «الترحيب الكبير الذى وجده أعضاء المنتخب من قبل الرئيس الشيشانى رمضان قاديروف، الذى وعد بتقديم كافة التسهيلات والخدمات المطلوبة للمنتخب»، بالإضافة إلى «إعجاب المدرب هيكتور كوبر بالملعب الموجود فى المدينة، واعتبره أحد الملاعب الجيدة فى روسيا». ما لم يذكره كردى، بالطبع، أن المسافة بين جروزنى ومدينتى يكاترينبرج وسان بطرسبرج، حيث يلعب الفريق مباراتيه الأوليين، تبلغ 2600 كيلومتر بالتمام والكمال، بينما المسافة مع مدينة فولجوجارد تبلغ 800 كيلومتر.

لم يضيع رئيس الشيشان الفرصة الذهبية، وأعلن بنفسه عبر حسابه الرسمى على وسائل التواصل الاجتماعى الروسية أن المدينة جاهزة لاستقبال بعثة المنتخب المصرى، وأن الفريق سيقيم فى أحد الفنادق الجديدة التى سيتم افتتاحها خصيصا قبل بداية بطولة كأس العالم. المثير للتأمل إن فندق The Local، الذى تم اختياره لإقامة بعثة المنتخب الوطنى طوال البطولة، لم يكن قد تم افتتاحه للعمل عندما اختاره الاتحاد، وأن هذا الفندق مملوك لمستثمرين من الإمارات حيث تم تصميمه على الطراز الشرقى العربى.

المسافات التى يقطعها كل فريق لأداء مبارياته فى البطولة استرعت انتباه «أندرو بيتون» محرر جريدة «وول ستريت جورنال» الشهيرة، خاصة أن روسيا هى أكبر دولة فى العالم من حيث المساحة، حيث كتب تحليلا مطولا عن تأثير هذه المسافات على أداء الفرق، وتوصل إلى أن أكثر فرق البطولة تأثرا بهذه السفريات المرهقة هو بلاشك الفريق المصرى. ووفق الرقم الذى تم حسابه اعتماداً المسافة بين مقر إقامة الفريق والسفر ذهابا وإيابا لأداء مباريات المجموعة، يبدو أن جميع الفرق قطعت مسافات مختلفة للسفر، إلا أن بعض هذه الفرق تجاوز كل الحدود، وعلى رأسها الفريق المصرى الذى حل فى المركز الأول بمسافات سفر متوسطة بلغت 5288 ميلا، فى الوقت الذى قطع فيه فريق كولومبيا أقل مسافات بـ761 ميلا فقط.

ويوضح تقرير «وول ستريت جورنال» الموقف قائلا: «معسكر إقامة الفريق الروسى فى مدينة موسكو، وهى نفس المدينة التى استضافت مباراة الفريق الأولى، بعدها سافر الفريق إلى مدينة سان بطرسبرج لمواجهة مصر، ثم العودة قبل السفر مرة أخرى لينهى مباراته الثالثة فى مدينة سامارا، ويبلغ إجمالى المسافات 1320 ميلا، فى الوقت الذى يقطع فيه الفريق المصرى الموجود فى نفس المجموعة مسافات تتجاوز 5000 ميل».

ويكمل محرر الصحيفة الأمريكية أن جدول مباريات مصر هو الأكثر قسوة فى البطولة، بعد أن تم وضع معسكرهم فى أقصى جنوب البلاد، وعليهم القيام برحلات طويلة إلى الشرق وأقصى الشمال أيضا. وبينما يبدو جدول تحركات الفريق المصرى مجهدا لأى مسافر، إلا أن الأمر يكتسب أبعادا أخرى فى المنافسة عندما تقارن تحركات المصريين إلى الملاعب المختلفة مع فريق آخر مثل كولومبيا على سبيل المثال.

حديث الأرقام لا يكذب، فبينما كان كوبر وبعض اللاعبين سببا من أسباب الخروج المبكر للمنتخب الوطنى من بطولة كأس العالم، إلا أن اتحاد الكرة بقراراته الغريبة والمثيرة للريبة يتحمل جانبا أكبر من مسؤولية الفشل، الذى يحتاج بكل تأكيد إلى مراجعة، وإلى حساب.

-الإعلانات-

اترك تعليقا

قد يعجبك أيضًا